المساهمة في الجريمة للباحث عبدالله السحيمي
تُعَدُّ المشاركة في الجريمة موضوعًا هامًّا ينظر إليه بعناية في النظام الجزائي بالمملكة العربية السعودية. وتتعدد أشكال المشاركة في الجريمة وتشمل التحريض على ارتكابها، والاتفاق على تنفيذها أو المساعدة في تنفيذها. وفي هذا المقال سنحلل المفهوم القانوني للمشاركة في الجريمة والشروط اللازمة لتحقيقها، بالإضافة إلى ذكر بعض المواد المتعلقة بذلك في بعض الأنظمة في المملكة.
المفهوم القانوني للمشاركة في الجريمة:
تُعرف المشاركة في الجريمة بأنها تعاون فعلي أو غير فعلي بين شخص أو أكثر في ارتكاب جريمة معينة. وتشمل المشاركة الأفعال المساهمة في التخطيط والتحضير للجريمة، والتحريض على ارتكابها، والاتفاق على تنفيذها، أو المساهمة في تنفيذها. ويتم التعامل مع المشاركة في الجريمة بنفس جدية التعامل مع الفاعل الرئيسي للجريمة؛ حيث يتحمل المشاركون عواقب قانونية تعادل الجرم الأصلي الذي شاركوا في ارتكابه.
من الشروط اللازمة لتحقق المشاركة في الجريمة:
- وجود جريمة رئيسية: فيشترط أن تكون هناك جريمة رئيسية من نوع جناية أو جنحة واقعة في الواقع، تعتبر محط اهتمام المشاركين.
- الفعل الرئيسي: يجب أن يكون هناك فعل رئيسي واضح ومنصوص عليه في القانون الجنائي، يكون موضوع المشاركة.
- العلاقة السببية: يجب أن تكون هناك علاقة سببية بين فعل المشارك وتنفيذ الجريمة، حيث يساهم المشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في تنفيذ الجريمة.
الأساس الشرعي والنظامي للمشاركة في الجريمة:
تتضمن الأنظمة في المملكة العديد من الأسس الشرعية والمواد النظامية المتعلقة بالمشاركة في الجريمة.
يُعتبر حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما والمتعلق بقتل الغيلة، من الأمثلة التي تُوضِّح أحد حالات المشاركة في الجريمة وفق المنظور الشرعي الذي يعتبر أحد الأسس التي تعتمد عليها الأنظمة والأحكام القضائية في السعودية. في هذا الحديث، وقعت جريمة قتل غلام، فعلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم"، مُعبِّرًا عن أهمية تفادي وقوع مثل هذه الجرائم وأن عقوبة المساهمين لا تقل عن عقوبة الفاعل الأصلي مهما كان عددهم. هذا الحديث يبرز أهمية تحديد دور المشاركين وإلحاق العقوبة بهم لتحقيق هدف كبح الجرائم ولضمان تحقيق العدالة وفق هذا المنظور، وكذلك يعتبر أحد الأسس الشرعية التي توجب العقوبة على أكثر من شخص مع الفاعل المباشر كما في القتل العمد.
العقوبات المترتبة على المشاركة في الجريمة تختلف حسب نوع الجريمة ودرجتها، بالإضافة إلى دور المشارك الذي لعبه في ارتكابها. ففي الأنظمة بالمملكة توجد العديد من المواد التي تنظم العقوبات المترتبة على المشاركة في الجرائم المختلفة.
فعلى سبيل المثال، في نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، نصت المادة 58 بأن: "يعاقب بالعقوبة المقررة على الجريمة نفسها، كل من شارك في ارتكاب أي من الأفعال المنصوص عليها في الفقرات 5،4،3،2،1 من المادة (الثالثة) من هذا النظام، سواء أكانت هذه المشاركة بالاتفاق أم بالتحريض أم بالمساعدة".
فحددت العقوبات التي تهدف إلى مكافحة جرائم المخدرات والترويج لها. ووفقًا لهذه المادة، يُعاقَب كل من يحاول حيازة أو احتجاز أو شراء أو بيع أو تسليم أو نقل أو زرع أو إنتاج أو استخراج أو فصل أو صنع مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية، سواء بقصد الاتجار بها أو الترويج بمقابل مالي أو بدون مقابل. وتتراوح العقوبة في هذه الحالة ما بين السجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد عن عشرين سنة، وغرامة لا تقل عن مائة ألف ريال ولا تزيد عن ثلاثمائة ألف ريال.
وتشدد العقوبات المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة 38 لنفس النظام على كل من يقوم بتهيئة مكان بمقابل أو يديره لتعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية؛ حيث يُعاقَب الشخص الذي يُدير أو يُنظِّم المكان وفقًا لأغراض تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية بعقوبات صارمة تهدف إلى مكافحة هذه الجريمة والحد من انتشارها.
كذلك تنص المادة 21 من النظام الجزائي لجرائم التزوير على أنه إذا اشترك شخص بأي شكل من الأشكال في جريمة التزوير، فإنه سيعاقب بالعقوبة نفسها المفروضة على الفاعل الرئيسي للجريمة.
كما تضمن نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية في المادة 9 من النظام عقوباتٍ تطبق على المشاركين في جرائم المعلوماتية؛ حيث يُعاقَب كل من حرّض غيره أو ساعده أو اتفق معه على ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام. وإذا وقعت الجريمة بناءً على هذا التحريض أو المساعدة أو الاتفاق، تُطبّق عليه عقوبة لا تتجاوز الحد الأعلى المقرر للجريمة الأصلية. كما يُعاقَب بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى المقرر إذا لم تقع الجريمة الأصلية.
ويتضح لنا مما سبق أن إيقاع العقوبة على المشاركين في الجريمة أمرٌ ضروريٌ لتحقيق العدالة، فهم يساهمون في تنفيذ الجرائم بشكل مباشر وغير مباشر، وقد يكون لهم تأثير كبير على نتائج الجريمة وعواقبها. لذا ينبغي على أي منظم اتخاذ إجراءات صارمة للتصدي للمشاركة في الجرائم وتطبيق العقوبات المناسبة على المشاركين، أيًّا كان حجم دورهم الفعلي في تنفيذ الجرائم.
وختامًا، فإن المشاركة في الجريمة تشكل قضية قانونية معقدة تحتاج إلى دراسة دقيقة وشاملة. يجب أن يركز فيها على تحليل الشروط اللازمة لتحقيق المشاركة في الجريمة والعقوبات المترتبة عليها لضمان تطبيق العدالة وفرض النظام.
وعلى الرغم من ضرورة أن يعمل النظام القانوني على مكافحة الجرائم والمشاركة فيها بفعالية، إلا أنه يجب أن نأخذ في الاعتبار الثقافة الشعبية الأصيلة التي يتمتع بها المجتمع، مثل حب المساعدة دون شروط أو قيود، حيث يساعد الناس بلا تردد عندما يطلب شخص ما المساعدة. لذا قد يكون مناسبًا أن يلعب الدور التوعوي دورًا مهمًا في المجتمع، بحيث يكون متوافقًا مع العلاقات الاجتماعية المترابطة من خلال النسب أو غيره والتي تجبر الأفراد على تقديم المساعدة.
ويثور السؤال حول ما إذا كانت طرق تحديد المشاركة في الجريمة ملائمة لثقافة المجتمع وحاجة ذلك إلى دراسة اجتماعية عميقة، يُنظر فيها منظورًا أكاديميًا حياديًا يستكشف الجوانب المختلفة لهذه القضية. ويمكن أن يساعد هذا النهج في تحديد العلاج المناسب الذي يعكس القيم الثقافية العميقة للمجتمع.
عبدالله السحيمي
Alsuhaimi660@gmail.com