في تداخل القانون مع العلوم البيئية – فادية البلوي
أغرق أحيانًا في التفكير بما تركته من أثر على البيئة كإنسان سعودي، رئة الأرض اختنقت من دخان المصانع، وترابه تلوّث بصحون وكاسات البلاستيك التي تقاوم التحلل، وأشجارها النادرة تعلمت كيف تُخرج أشواكها لتعيش، مقاومةً بذلك أكياس البلاستيك الطائرة، أما الهواء النقي فقد بات شيء من محض الخيال. #السعودية_الخضراء تبدأ من مساكننا، وقبل ذلك تبدأ من العقول، فهل جربت أن تحتضن شجرة؟
القانون والبيئة:
تحمي بلادنا نباتاتها وحيواناتها التي تمثل ثروة طبيعية بالقانون. فكما يحمي القانون الأرواح والأجساد البشرية، يحمي جسَد البيئة. وإن كانت أراضي الوطن تعجز أحيانًا عن المطالبة بحقوقها، فإن القانون السعودي للبيئة يطالب، فنحن جزء من الأرض، والأرضُ جزءٌ منا، نحن من أكرمنا الله بأن نكون خلفاء على أرضه، فهل أحسنا الخلافة؟ ذلك هو السؤال المطروح، ولعلّ الجواب يُنسَى أحيانًا، لذلك أنا هنا أحاول التذكير.
بصدور نظام البيئة السعودي الجديد في عام 1441 هـ الموافق: 10/07/2020 م، والذي ألغى الأنظمة السابقة، فكان موحّدًا لكل الأنظمة المعنية بالحفاظ على البيئة في نظام واحد، والذي يعكس جهدًا جبارًا واهتمامًا كبيرًا من قِبَل الدولة بالبيئة، فينص القانون السعودي والذي يحتوي على العقوبات والغرامات، ومنها:
«يُحظر القيام بكل ما من شأنه تلويث الأوساط البيئية والموارد المائية، أو الإضرار بهما، أو التأثير سلباً في الانتفاع بهما» المادة السادسة من نظام البيئة.
للاطلاع أكثر تفاصيل النظام))
نص القانون السعودي على غرامات في نظام البيئة الجديد، ووضح سُبل إيقاع الغرامات في اللائحة التنفيذية للنظام، فهناك غرامة ضد إشعال النار، وأخرى ضد تلويث المياه، ولا يزال موضوع البيئة يشغل ذهن المشرع السعودي، فالاهتمام بالبيئة ومحاربة التغيّر المناخي شيءٌ من صميم ديننا الإسلامي، والثقافة العربية.
البدوي السعودي والبيئة:
الاهتمام بالبيئة والدعوة إلى نمط حياة أكثر مراعاة للبيئة ليس استيرادًا غربيًا، فإضافة لكون الإسلام يحث على مراعاة البيئة وحقوق الحيوان، كانت بادية العرب قديمًا على اتصال أكبر بالبيئة، فكانت العرب أكثر استشعارًا لتقلباتها، فالعلاقة بين البدو والطبيعة كانت وطيدة، ولكنها اندثرت مع التمدّن والتقدم الصناعي. فالعربي البدوي كان يراعي اتجاه الهواء، وتياراته في نصبه لخيمته، ويتحسس نباتات الأرض ليتأكد من أن هذه المنطقة أو تلك صالحة للسكنى ولتكاثر الماشية فيها، بل كان يجيد معرفة ما إذا كانت السحابة ستمطر اليوم أو غدًا دون أن يحمل شهادة في علم البيئة. وكذلك كان حال المرأة البدوية، فكانت تُطبب بالأعشاب، وتداوي المرضى من خشاش الأرض ونباته، وتجيد صُنعَ الحلي ومساحيق التجميل من الطبيعة! فمفاهيم مثل «طبيعي» و«عضوي» كانت أقرب إلينا من الغرب، الذي لم يعرف معنى أن يكون الإنسان على اتصال مستمر بالطبيعة إلا منذ قرنٍ مضى.
السلوك الفردي الواعي:
التشجير والزهد في الشراء، ومشاركة الفائض من الطعام كلها قيم إسلامية بيئية نحتاج إلى إعادة إحيائها في روح الأجيال الجديدة من السعوديين، لنؤكد بذلك أن الاهتمام بالبيئة ليست قيمة غربية مستوردة بل قيمة أصيلة في تراثنا العربي والإسلامي. وأنا أحاول من خلال هذه التدوينة البسيطة أن أعزز الاهتمام بالطبيعة، وأن أعيد إحياء وجهة النظر الأصيلة نحو الطبيعة.
الاقتصاد البيئي والقانون:
يتقاطع القانون مع علم الاقتصاد، ومن أشكال التقاطع هذه تعزيز القيم الاقتصادية المراعية للبيئة، وذلك هو النهج الذي تتخذه الحكومة السعودية وتراعيه رؤية ٢٠٣٠، فالاقتصاد الأخضر هو اقتصاد يراعي المصالح البيئية والإنسانية، ويضع في عين الإعتبار المشكلات البيئية المتفاقمة.
أبو العلاء المعرّي والفلسفة البيئية:
ليست دراسة علاقة الإنسان بالبيئة وليدة الفكر الغربي، بل على العكس تمامًا إن الفكر الغربي البيئي تأثر بالفكر البيئي المحلي. فأول فيلسوف نباتي في تاريخ البشرية كان عربيًا، وأول من تفكّر في علاقة الإنسان مع الحيوان وأقام شريعة تحدد كيف يمكن للإنسان أن يستهلك لحم كائن آخر بطريقة أخلاقية (قتل رحيم) لم يكن فيلسوفًا غربيًا، بل كان رسولًا عربيًا صلوات الله عليه، كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهل يدرك الجيل الحديث هذه الحقائق؟ أم أنها تغيب عن أذهانهم مع انشغالهم بما هو أقل أهمية في نظرهم من التغير المناخي والاحتباس الحراري؟ فالأرض تصرخ وتطلب النجدة! فهلمُّوا إلى تطبيق نظام البيئة.