العقد هو ارتباط كلام أحد العاقدين بالآخر شرعًا على وجه يُثبت أثره في محله. إن البناء السليم للعقد يتطلب توافر مقومات وشروط. ومقومات العقد تشمل صيغة التعاقد، والعاقدان، والمحل المعقود عليه، وموضوع العقد، أي المقصد الأصلي الذي شرع العقد لأجله. وعلاوة على الشروط الواجب توافرها في مقومات العقد التي تعد شروط انعقاد، ينبغي توافر ثلاثة أنواع من الشروط كذلك هي: شروط الصحة، وشروط النفاذ، وشروط اللزوم. غايتها في الجملة البعد عن المخاطر بسبب الجهالة والحؤول دون وقوع المنازعات. وهذه الشروط كلها لها أثر بالغ في تحديد وصف العقد. فالوصف يُبنى على توافر الشرط من عدمه.
إن وصف العقد، أي الاسم الذي يثبته الشارع لكل مرحلة من مراحل جاهزية البناء العقدي، يتحدد بالاعتماد على استكمال العقد مقوماته وشروطه. فما أوصاف العقد في الفقه الإسلامي؟
تبدأ أوصاف العقد في القانون بالعقد الصحيح، ونقيضه العقد الباطل. والعقد الصحيح إما أن يكون نافذًا أو أن يكون غير نافذ. والعقد الباطل إما أن يكون باطلًا بطلانًا مطلقًا، وإما بطلانًا نسبيًا.
أما أوصاف العقد في الفقه الاسلامي فتبدأ مع تكوين العقد، مرحلة انعقاد العقد أو عدم انعقاده:
أولًا: مرحلة انعقاد العقد: ويكون فيها العقد صحيحًا، وهذه لا خلاف فيها بين الفقهاء.ويُقسم العقد الصحيح إلى:
القسم الأول: العقد النافذ: نعني به انتاجه للآثار التي يرتّبها الشرع عليه منذ انعقاده صحيحًا. وهو يقسم إلى:
أ- العقد اللازم: فلا يجوز لأي من المتعاقدين فسخ العقد بإرادته المنفردة دون أن يتحمل تبعة ما ينشأ عن ذلك من أضرار. وهو على نوعين:
النوع الأول: عقود لازمة لا تقبل الفسخ مُطلقًا. مثل عقد النكاح، ولا يعدّ الطلاق فسخا للزواج وإنما إنهاءً للرابطة الزوجية، مع بقاء آثار النكاح التي وجدت قبل وقوع الطلاق. كحرمة المصاهرة، وثبوت النسب بعد الإنهاء. وعقود لازمة تقبل الفسخ، مثل: البيع والإيجار. فهذه العقود لازمة، ولكن للعاقدين أن يفسخاها بطريق الإقالة، أي بالتراضي.
النوع الثاني: عقود غير لازمة بسبب طبيعة العقد ذاته فيجوز لأحد المتعاقدين (كالرهن والكفالة) أو لكليهما (كالإيداع والإعارة) فسخ العقد متى شاء. أو أنها غير لازمة لوجود الخيارات العقدية، كخيار الشرط والتعيين والعيب.
القسم الثاني: العقد الموقوف: وهو عقد صحيح، ولكن فيه تجاوز على حق لغير عاقديه يوجب توقفه على إرادته، أو أنه ينطوي على مانع آخر يمنع نفاذه، ولا يفيد حكمه إلا بإجازته المعتبرة. ويمكن ردّ أسباب وقف العقد إلى نوعين رئيسين:
1- تعلُّق حق الغير: كما في بيع الفضولي، وبيع المدين الراهن المال المرهون، وبيع الصغير المُميِّز ماله.
2- الإكراه: في رأي الإمام زفر بن الفضيل (من كبار أصحاب أبي حنيفة) والمالكية كذلك.
والعقد الموقوف صورة معاكسة تمامًا للعقد الباطل بطلانًا نسبيًا. فالموقوف عقد محتبس الآثار لا ينفذ إلا بالإجازة. أما العقد الباطل بُطلانًا نسبيًا فهو عقد نافذ مُرتب لآثاره إلى أن يُحكم ببطلانه.
ثانيًا: مرحلة عدم الانعقاد، ويكون فيها العقد غير صحيح. ويعرفه الجمهور بأنه ما اختل أحد عناصره الأساسية، ركنًا فيه أو شرطًا من شروطه، أو اتصل به وصف منهيٌّ عنه. وحكمه أنه غير صالح لترتيب الآثار الشرعية عليه، كبيع الميتة والدم والخمر والخنزير، وكبيع فاقد الأهلية. وغير الصحيح قسم واحد لا ينعقد به العقد. ويعبرون عنه بالباطل أو الفاسد، فهما اسمان لمسمى واحد.أما عند الحنفية فالباطل والفاسد مترادفان في العبادات، متبيانان في المعاملات. ولأن العقد الفاسد صناعة فقهية حنفية محضة، فسنعرض لتعريفه وحالاته وحكمه. أما العقد الباطل فلا حاجة للوقوف عنده.
العقد الفاسد: هو ما كان مشروعًا بأصله دون وصفه. فهو عقد مختل، ولكن الخلل فيه راجع إلى وصف من أوصافه اللازمة له. والفاسد وسط بين الصحيح والباطل، فهو يشبه الأول من جهة سلامة مقوماته وانعقاده. ويشبه الثاني من ناحية ما فيه من خلل وأن الشارع نهى عنه.ولذلك أثبت الحنفية له أمرين:
1- أنه يترتب عليه آثار في بعض صوره إذا اتصل به القبض، ففي البيع الفاسد إذا قبض المشتري المبيع مَلكَه؛ نظرًا لأصل انعقاده. 2- أنه مطلوب فسخه من المتعاقدين، ووجوب الفسخ يثبت بشرطين: أ- بقاء المعقود عليه على ما كان عليه قبل القبض. أما إذا تغير شكله، كأن كان طحينًا فخبزه أو هلك أو استهلك فإنه يُمتنع الرَّد. ب- عدم تعلق حق للغير به، فلو باعه المشتري لآخر امتنع عليه الرَّد.
وترجع حالات الفساد إلى مخالفة العقد لنظامه الشرعي في ناحية فرعية مُتمّمة له. والأسباب العامة لفساد العقد هي بالإجمال ثلاثة: الجهالة، الإكراه، والغرر.
1- الجهالة: نعني بها الجهالة الفاحشة التي تفضي إلى نزاع مُشكل، سواء كانت في المعقود عليه كجهالة المشتري جنس المبيع أو قدره. أو كانت جهالة العِوض في المعاوضات المالية، كجهالة الثمن في البيع. أو كانت جهالة الآجال، كجهالة المدة في الإجارة، أو كانت جهالة وسائل التوثيق.
2- الغرر: المُراد هنا الغرر في الأوصاف والمقادير ونحوها من المسائل الفرعية، وليس غرر الوجود.
3-الإكراه: في رأي الإمام أبي حنيفة وصاحبيه محمد وأبي يوسف.
ويختلف حكم العقد الفاسد باختلاف حالين: فقبل التنفيذ وقبل قبض المعقود عليه فإن العقد الفاسد لا ينتج أثرًا، فهو والباطل في الأثر سواء في العدم. أما بعد التنفيذ فإذا قبض المشتري المعقود عليه فإن العقد الفاسد يفيد حكمًا ويعتبر القابض مالكًا للمعقود عليه. وهذا الملك لا يثبت إلا إذا كان القبض قد تمَّ بإذن البائع، شريطة أن لا يشتمل العقد على خيار شرط.
ولم يحظ العقد الفاسد بالأهمية والمكانة التي يستحقها، فالفروقات بينه وبين العقد الباطل توجب الإفادة من هذه الصناعة الفقهية المتقنة. هذا إلى أن القانونين اللذين تبنّيا الفقه الإسلاميالحنفي (الأردني والإماراتي) لم يُنظما الفساد كما جاء به الحنفية، وإنما اختزلاه في تطبيق يتيم. في حين ألحقوا بقيةالحالات بنظم أخرى كالوقف والبطلان.
خلاصة: إن أوصاف العقد في الفقه الإسلامي، أو مراتبه هي: انعقاد العقد أو عدم انعقاده. وانعقاد العقد تعني العقد الصحيح. والعقد الصحيح يقسم إلى عقد نافذ وهو الأصل، وعقد موقوف. والعقد النافذ يُقسم إلى عقد لازم وعقد غير لازم أو جائز كما يُسميه الفقهاء. والأصل في العقود اللزوم.
أما عدم انعقاد العقد، فتعني عند الجمهور وصفا واحدًا هو العقد غير الصحيح أو الباطل. والباطل معدوم شرعً فلا يرتب أثرًا. أما عند الحنفية فيرون أن غير الصحيح يتنوع في المعاملات دون العبادات إلى: العقد الباطل والعقد الفاسد. والفاسد يقع في مرتبة وسطى بين العقد الصحيح، فهم أوجدوا سلسلة ذات حلقات منطقية ثلاث: الحلقة الأولى ما كان مشروعًا بأصله ووصفه فذاك هو الصحيح. والحلقة الثانية ما كان غير مشروع لا بأصله ولا بوصفه فذاك هو الباطل. والحلقة الثالثة ما كان مشروعًا بأصله دون وصفه فذاك هو الفاسد.